الانبا باخوميوس اب الشركة
وُلد بالصعيد الأقصى من والدين وثنيين حوالي عام 292 م.، وكان باخوميوس منذ طفولته محبًا للعفة والطهارة، غير راضٍ عن العبادة الوثنية، ولا يشترك في ولائمه.
* أخذه والداه ليُقدما ذبيحة للشياطين التي في النهر، وإذ رآه كاهن الوثن صرخ: "أقصوا عدوّ الآلهة من هنا حتى تكف عن غضبها علينا"! فحزن الوالدان جدًا.
2- قبوله المسيحية:
* تجند باخوميوس في الجيش، وكان منطلقًا مع زملائه لإقماع ثورة ضد الإمبراطور. في الطريق استراحوا عند المدينة لأتوبوليس (إسنا) وكان الكل منهك القوى، فجاء أهل المدينة يقدمون لهم طعامًا وشرابًا بسخاءٍ. سأل باخوميوس عن سبب هذا الكرم فقيل له إنهم يفعلون هذا من أجل إله السماء، فهم محبون للجميع. بعد صلاة طويلة قرر أن يصير مسيحيًا إن عاد سالمًا.
* وبتدبير إلهي خمدت الثورة وسٌرَّح الجنود، فانطلق إلى شينوفسكيون (قصر الصياد) حيث سجل اسمه في قائمة الموعوظين، ونال العماد المقدس.
* بقى في القرية ثلاث سنوات يمارس أعمال المحبة والرحمة، خاصة عندما حلّ بها وباء فكان لا يكف عن خدمة الجميع.
3- مع الأنبا بلامون:
* أحبت القرية كلها القديس باخوميوس، لكن قلبه كان يلتهب نحو التكريس للعبادة، وإذ سمع عن راهبٍ قديسٍ يسكن البرية بجوار القرية يُدعى "بلامون" انطلق إليه وسأله أن يقبله تلميذًا له. أظهر له القديس بلامون صعوبة الحياة الرهبانية، وطلب منه أن يرجع إلى القرية يجرب نفسه بتداريب معينة، لكنه أمام ثبات قلب باخوميوس قبله، بل وأحبه جدًا، خاصة وأن باخوميوس قد اتسم بالطاعة مع النسك الشديد وحب العبادة.
4- تأسيس نظام الشركة:
* كان القديس باخوميوس متهللًا بحياة الوحدة، سعيدًا بعمل الله معه خلال أبيه الروحي أنبا بلامون، لكن قلبه كان متوجعًا من جهة إدراكه أن كثيرين يشتهون الحياة الرهبانية لكنهم عاجزين عن ممارسة حياة الوحدة القاسية، فكان يطلب من أجلهم وفي أحد الأيام إذ كان يجمع حطبًا في منطقة طبانسين (جنوب قصر الصياد) ظهر له ملاك، وطلب منه أن يقيم ديرًا هناك، وأعطاه لوحًا به البنود الأساسية لنظام الشركة، وقد جاءت سهلة للغاية، يستطيع الكثيرون أن يمارسوها.
* أخبر القديس باخوميوس معلمه الأنبا بلامون بما حدث، ففرح الأب جدًا وبارك العمل وبالرغم من شيخوخته لم يعترض على إقامة نظام جديد للرهبنة لم يعهده، بل ذهب معه إلى طبانسين وساعده في تأسيس الدير، ثم استأذن منه ليعود إلى مغارته على أن يلتقيا مرة كل عام، تارة في الدير وأخرى في المغارة، وإن كان القديس بلامون لم يعش كثيرًا بعد ذلك.
* أسس القديس باخوميوس أول دير له حوالي عام 318 م. في طبانسين بالقرب من بافو أو بابو. وقد أعطاه الله نعمة في أعين الكثيرين حتى أنشأ في المنطقة حوالي عشرة أديرة، وكان عدد الرهبان في الدير الرئيسى ببافو وحده حوالي 1500 راهبًا.
* جاءه أخوه الأكبر يوحنا حيث ترهب عنده، وكان يعمل معه بكل طاقته في تأسيس هذا النظام، كما جاءته أخته فقابلها وشجعها على الحياة الرهبانية، وأسس لها ديرًا في الاتجاه المقابل من النيل، ضم حوالي 300 راهبة تحت قيادتها.
أهم ملامح هذا النظام:
* نال هذا النظام تقدير الكنيسة حتى من قادة نظام الوحدة، فقد أمتدح القديس أنبا أنطونيوس القديس باخوميوس، وحسب نجاحه عطية من الله.
* الخطوط العريضة لملامح هذا النظام.
1- قام هذا النظام كحركة شعبية (علمانية)، لذا رفض القديس باخوميوس أن ينال درجة كهنوتية، وعندما شعر أن البابا أثناسيوس في زيارته له سيقوم بسيامته كاهنًا هرب، واضطر البابا أن يطمئنه قائلًا لأولاده أنه لن يمد يده عليه لسيامته وإنما يطلب بركته. وبالفعل عند عودة البابا من أسوان استقبله القديس بفرحٍ شديدٍ.
* قدم نفسه مثلًا حيًا للحياة الرهبانية كي لا يشتهى أحد درجة كهنوتية ويجد عدو الخير مجالًا لبث الغيرة بين الرهبان.
2- أتسم النظام الباخومي أنه يناسب الكثيرين، فمن جهة الصوم يأكل الراهب مرتين كل يوم ويمارس صلوات جماعية متكررة كما يقوم بعمل يناسب مواهبه وقدراته مثل النجارة أو الفلاحة أو الطبخ أو الغسل أو البناء أو النسخ، ولكل جماعة رئيس يدير الأمور ماديًا وروحيًا، وكان العمل جزءًا أساسيًا من الحياة الروحية.
3- انفتحت الأديرة لغير المصريين مثل اليونان والرومان، ولكل جماعة منهم رئيس يدبر حياتهم في الرب.
4- سُمح للشخصيات البارزة المُحبة للوحدة أن تمارس هذه الحياة، وكان القديس باخوميوس كثيرًا ما يجتمع بالمتوحدين.
أثره على العالم:
* نظام الشركة كما أسسه القديس باخوميوس جذب قلوب الكثيرين من قادة الفكر الرهباني في الشرق والغرب، فقاموا بترجمته وتطبيقه عمليًا إن لم يكن في مُجمله ففي أغلبه. منهم القديس باسيليوس الكبير والقديس يوحنا كاسيان والأب قيصريوس أسقف أرل Arles وخلفه أوريليوس، والأب بندكت الذي وضع نظامه المشهور كأب للرهبنة الغربية، مقتبسًا الكثير من النظام الباخومي.
5- سمات القديس باخوميوس:
* تبقى شخصية القديس باخوميوس بارزة عبر العصور كشخصية قيادية عجيبة جمعت الآلاف في الأديرة المتقاربة والبعيدة بالصعيد، يدبر أمورها بروح الحب مع الحزم مهتمًا في نفس الوقت بخلاص كل نفسٍ ونموها الروحي.
* عُرف القديس بوداعته وتواضعه، فعندما سأله بعض الأخوة عن أي منظر أو رؤيا قد أعجبته، أجاب أنه يُعجب بمنظر أخٍ وديع إذ فيه يسكن الله.
* ظهر له الشيطان مرة على شكل السيد المسيح، وهو يقول "أفرح يا باخوميوس لأني جئت لافتقادك". أما هو ففي تواضع أعلن أنه يريد أن يرى السيد المسيح في الحياة الأبدية لا بالعين الجسدية هنا، وللحال صار الشيطان كدخان تلاشى.
6- نياحته:
* انتشر وباء في صعيد مصر وأصيب كثير من الرهبان حيث تنيحوا، كما تنيح بسبب هذا الوباء القديس باخوميوس في عام 346 م.