الخميس، 26 مارس 2015

الحــركــه



الحــركــه
قداسة البابا 


الحركة في جسم الإنسان دليل علي الحياة‏.‏ فالدم فيه يتحرك‏,‏ والتنفس هو حركة شهيق وزفير‏,‏ وأجهزة الجسد تتحرك‏,‏ والقلب ينبض بالحركة‏.‏ فاذا مات الإنسان ـ وكذلك الحيوان ـ توقفت حركته‏,‏ ويقال إنه أصبح جثة هامدة لا حركة فيها‏..‏ إنما الحركة فيها نشاط وفيها حيوية‏.‏


‏**‏ وعندما خلق الله الأجرام السماوية‏,‏ جعل فيها عنصر الحركة‏,‏ فالأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم‏,‏ وينتج عن ذلك النهار والليل‏.‏ وتدور حول الشمس مرة كل عام ينتج عنها الفصول الأربعة كذلك الكواكب والنجوم تتحرك وتدور ويرصد علماء الفلك تحركاتها‏.‏ والقمر أيضا في علاقته مع الأرض مما ينتج عن ذلك أوجه القمر خلال كل شهر‏.‏

والنبات أيضا تتحرك جذوره داخل الأرض‏,‏ وتتحرك فروعه خارجها‏.‏ وفي حركته ينمو‏,‏ ويمتد جذعه إلي فوق ويعلو‏,‏ وتحمل فروعه ثمارا أو أوراقا أو أزهارا‏..‏

‏**‏ والإنسان الذي لا يتحرك كثيرا يصاب بالخمول‏.‏ وأطرافه التي يتوقف تحركها تصاب بالشلل‏.‏ ولهذا يحب الإنسان لجسمه أن يتحرك‏,‏ عن طريق المشي أو الرياضة أو السباحة‏.‏ كل ذلك لكي ينشط الجسد ويقوي ويتدرب الانسان علي دوام الحركة‏.‏

وما أجمل المثل القائل في الحركة بركة‏.‏

‏**‏ الحياة الروحية أيضا مطلوب فيها الحركة وعدم التوقف‏.‏ فخادم الله من المفروض أن يتحرك في كل مجال خدمته‏.‏ وإن لم يتحرك ينتقده الناس ويصفوه بالتقصير‏,‏ ويصير عبئا‏.‏ حتي الناسك أو العابد‏,‏ فانه أيضا يتحرك‏:‏ إن كان في الوحدة أو الخلوة‏,‏ يتحرك نحو الله‏.‏ وإن كان في الخدمة يتحرك نحو الناس‏.‏

‏**‏ الإنسان الروحاني يكون دائما نشيطا‏.‏ وتتحرك روحه باستمرار‏,‏ سواء في العبادة‏,‏ أو في الاهتمام بكل من هم حوله‏,‏ لكي يقودهم في طريق الخير‏.‏ ويفعل ذلك في محيط أسرته أو في مجال أصدقائه‏..‏ ما اجمل ما قيل عن السيد المسيح إنه كان يجول يصنع خيرا‏,‏ ويطوف المدن والقري يعلم ويشفي‏..‏

‏**‏ التوبة هي أيضا حركة داخل القلب لتجديد الحياة‏.‏ وهي أيضا ـ من الناحية العملية ـ حركة ينتقل بها التائب من حياة خاطئة إلي حياة بارة‏..‏ والصلاة هي أيضا حركة يتجه بها القلب والفكر واللسان إلي الله ليتحدث إليه‏..‏ إن الله ـ تبارك اسمه ـ يجذب الإنسان إليه‏.‏ وهذه حركة من النعمة‏,‏ تليها حركة استجابة من القلب البشري ليسلك حسب مشيئة الله‏.‏

‏**‏ مفروض في الإنسان الروحي أن ينمو باستمرار في حياة الفضيلة والبر‏.‏ وهذا النمو الروحي هو لون إيجابي من الحركة‏,‏ به يمتد الإنسان البار نحو حياة الكمال النسبي الذي تبلغ إليه طبيعته البشرية‏,‏ حسبما تستطيع من الجهاد‏,‏ وحسبما تساعده النعمة الإلهية‏.‏ ومهما وصل إلي درجات روحية‏,‏ فانه يحاول أن يمتد إلي قدام ولا يتوقف‏.‏ وهكذا تستمر حرارته وينمو ولا يصيبه الفتور‏.‏

‏**‏ إن كان أحد فينا لا ينمو روحيا‏,‏ فهذا بلا شك تعوزه الحركة المقدسة التي تدفعه نحو المثاليات‏..‏ وعن هذا النمو الروحي‏,‏ قال أحد الأدباء الروحيين‏:‏ اركض في الطريق نحو الله‏..‏ وإن لم تستطع أن تركض‏,‏ إمش‏,‏ وإن لم تستطع أن تمشي إزحف‏,‏ ولكن حذار أن تتوقف‏..‏
ضع أمامك باستمرار أن تنمو‏,‏ سواء في الصلاة‏,‏ أو التأمل‏,‏ أو القراءة الروحية‏,‏ أو في خدمة الآخرين‏,‏ أو في سائر التفاصيل الخاصة بحياة الفضيلة‏.‏

‏**‏ أعرف أن الشيطان أيضا هو دائم الحركة‏,‏ لا يهدأ من الجولان في الأرض والتمشي فيها‏,‏ لكي يلتمس فريسة له بين البشر في أي موضع‏.‏ فما دام هو دائم الحركة‏,‏ ينبغي أن نواجهه بحركة مضادة لحركاته لكي نوقفها ونمنعها من الوصول إلي إدراك غايتها‏.‏

‏**‏ لذلك ـ يا أخي ـ في جهادك الروحي ـ إن لم تستطع أن تتحرك‏,‏ الجأ إلي من يحركك‏..‏ إلي مرشد روحي‏,‏ أو إلي اجتماعات روحية فيها وعظ مؤثر أو توجيه له قوته‏.‏ أو ابحث عن كتاب روحي له تأثيره العميق‏,‏ أو كاست فيه تسجيل صوتي لإحدي العظات التي تمس حياتك‏.‏ فكل هذه الأسئلة قد تحرك عاطفتك وتقودك إلي الخير‏,‏ إن أحسنت اختيار نوعيتها‏.‏ أو الجأ بالصلاة إلي نعمة الله فهي قادرة أن تدفعك إلي قدام في حياة الروح‏..‏

‏**‏ من جهة تعاملنا مع الآخرين‏,‏ قد يقابلك انسان يحتاج إلي معونة روحية‏,‏ ويحكي لك عن متاعبه‏.‏ والمفروض أن يتحرك قلبك نحوه‏,‏ وأن تعمل ما يمكنك لأجله‏,‏ وإلا يوبخك ضميرك‏..‏
هنا وأقول‏:‏ كم من مساكين يطرقون أبوابنا‏,‏ ونحن لا نتحرك لمعونتهم‏!‏ وكم من محتاجين ـ ماديا أو نفسيا ـ ونحن نهملهم‏!‏ وكل واحد منهم يشكو ويقول‏:‏ لم أجد من يشعر بي‏,‏ ولا من يهتم بمشكلتي‏!‏ إذن يجب أن نتحرك نحو هؤلاء‏..‏ نتحرك قلبيا نشفق عليهم‏,‏ ونتحرك أيضا من جهة العمل‏..‏

‏**‏ الحياة الروحية يا اخوتي كلها حركة‏,‏ سواء في هذا العالم أو في العالم الآخر‏,‏ حتي الموت‏,‏ وإن كان يتسبب في توقف حركة الجسد‏,‏ إلا أن فيه حركة للروح ـ ذلك أن الروح البشرية ـ في حالة الموت ـ تتحرك راجعة إلي الله‏.‏
وقيامة الأموات هي أيضا حركة‏.‏ إذ تتحرك الأرواح من مستقرها لكي تتحد بالاجساد‏.‏ ثم تتحرك الأجساد القائمة من الموت لكي تقف أمام الله العادل في يوم الحساب‏.‏ وبعد الحساب يتحرك الكل إلي مصيرهم الأبدي‏.‏

‏**‏ والأبرار يتحركون إلي عشرة الملائكة‏,‏ وإلي المجد الذي ينتظرهم مكافأة علي جهادهم للثبات في الفضيلة‏,‏ بضبط النفس والانتصار علي كل حيل الشيطان وإغراءاته‏.‏ وكل القلوب الطاهرة تنتظر هذه النهاية السعيدة‏,‏ حيث ينال الأبرار أكاليل تناسب كل نوعيات تحركهم نحو الخير‏.‏
لذلك استعدوا من الآن بتهيئة قلوبكم وأفكاركم لذلك المجد العتيد‏.‏ واملأوا قلوبكم بالحرارة الروحية‏,‏ ومحبة الله ومحبة الخير‏,‏ ومحبة السكني في السماء‏,‏ وخلال هذه الحياة الأرضية التي نعيشها الآن اكنزوا لكم كنوزا في السماء من كل عمل صالح تعملونه وينتظركم هناك‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق