الخميس، 30 أكتوبر 2014

كتمان الخطايا



كتمان الخطايا


ذهب العامل يوسف إلى الكاهن واعترف بخطاياه يوم السبت، استعدادًا منه لتناول القرابين الإلهيّة في اليوم التالي.
وفي اليوم التالي حاول التناول من الأسرار الطاهرة، ولكنّه شعر بقوّة تمنعه، وتدفعه إلى الوراء. حاول مرّة ثانية، ولكنّ الفشل كان نصيبه. حاول ثالثة، ولكنّه شعر، أيضًا بمن يبعده عن الكأس المقدّسة. خاف يوسف كثيرًا، وعاد لا يجسر على الدنو للتناول.
وبعد أيّام عدّة، ظهر له القدّيس مكاريوس الكبير ، ووبّخه بقساوة قائلاً: "لماذا أخفيت الخطيئة الأخيرة التي فعلتها؟ ألا تعلم أنّ هناك ملاكين يجلسان عن يمين الكاهن ويساره، ويرفعان اعترافك وتوبتك إلى العرش الإلهيّ لتنال من لدن الله الغفران؟ فإن اعترفت بخطاياك كلّها تنل غفرانًا كاملاً، وإن أخفيت شيئًا، فرحت بك الشياطين وحزنت عليك الملائكة. فما عليك، إذًا، سوى أن تذهب ثانية إلى الكاهن وتعترف بزلاّتك".
أهمل يوسف وصيّة القدّيس خوفًا من فضح خطيئته وخجلاً من الكاهن. وفي الأسبوع التالي عزم على التناول، ولكن في الليلة السابقة للقدّاس الإلهيّ، ظهر له ثانية القدّيس مكاريوس، وقال له: "هل تريد أن تضيف إلى خطيئة عدم الاعتراف بخطاياك وكتمان أمرها خطيئةً أخرى بتناولك القدسات من دون استحقاق؟ اعلم أنّ جرمك سيكون أكبر، وتهاونك سيفضي بك إلى الهلاك".
تأثّر يوسف كثيرًا من هذه الأقوال، وخاف أن يخسر خلاصه وحياته الأبديّة، فقرّر أن يعترف. ولكنّ الأفكار بدأت تزعجه وتقول له: "ماذا سيقول عنك الكاهن؟ وما هي الفكرة السيّئة التي سيكوّنها عنك؟ لا تعترف، فخطيئتك ليست بهذه الجسامة، والناس كافّة يقعون بها، فهي أمر عاديّ جدًّا، فلا تهتمّ بها". 
قضى يوسف أيّامًا صعبة يحارب بها أفكاره وتردّده، ولكنّ كلمات القدّيس كانت تطنّ في أذنيه، وكأنّها تحذّره وتهدّده. وفي الأسبوع الثالث ذهب إلى الكاهن، وجثا عند قدميه، واعترف بخطيئته بشجاعة ولكن بخجل وانسحاق، ثمّ تناول، بعد ذلك، الأسرار المُقدسة بفرح عظيم، ولم يشعر بمانع يمنعه عن ذلك.
ولكن لا بأس إن أخبرناكم بأنّ يوسف رأى، في الليلة عينها، في حلمه شخصًا منيرًا جدًّا يلبس قميصًا أحمر مزيَّن بصلبان بيض كثيرة، ويمسك بيده قضيب المُلك ويقول له: "لقد قبلتُ توبتك، فاستمرّ في الاعتراف بخطاياك جميعها عمرك كلّه، ولا تكتم أمرًا يخالف أيّة وصيّة صغيرة كانت أو كبيرة، حتّى تأتي إليّ في السماء"، ثمّ رسمه بالزيت المقدّس على شكل صليب، واختفى.
قام يوسف من نومه وقد شملته غبطة كبيرة، إذ رأى السيّد المسيح بنفسه. ومنذ ذلك اليوم، بدأ يهتمّ بالمداومة على سرّ الإعتراف وكشف خفاياه كلّها.

أحبّاءنا، إنّ أحضان الله مفتوحة دائمًا لكم مهما كانت خطاياكم كثيرة أو كبيرة، فانتهزوا الفرصة لتتخلّصوا منها عبر سرّ الاعتراف، ولا تؤجّلوا بسبب خجلكم أو وشوشات من لا يؤمن بهذا السرّ الرهيب الباطلة، والتي تحرمكم من بركات هذا السرّ الذي لا يمكن أن تخلُصوا من دونه.
إنّ أباكم يُحبّكم ويغفر لكم خطاياكم كلّها، ويساعدكم على رفض الخطيئة والتغلّب عليها. إنّكم باعترافكم تفضحون الشيطان وليس أنفسكم، فلا تؤجّلوا توبتكم. نعم، الأيّام تمرّ بسرعة، والعمر ينقضي، فلا تؤجّلوا توبتكم. 

اعداد دير راهبات القديس يعقوب الفارسي المقطع —

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق