النهارده هناخد بركة سيرة الشهيدة العظيمه بربتوا | بربيتوا *
كان لأعمال (سيرة) الشهداء بربتوا Perpetua أو بيربيتوا أو بيربتوا أو بيربتوه (تعني الدائمة)، وفيليستي Felicity (تعني سُعدي) وصاحباتها أهمية كبرى في الكنيسة الأولى. ففي القرن الرابع الميلادي كانت تُقرأ علانية في كنيسة شمال غرب أفريقيا، حتى خشي القديس أغسطينوس لئلا يمزج الشعب بين هذه الأعمال وأسفار الكتاب المقدس، فكان يحذر من ذلك وإن كان كثيرًا ما تحدث عن هؤلاء الشهداء لحث الشعب على الجهاد الروحي.
القبض عليها:
في عام 203 م. خلال الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور ساويرس، ألقى مينوسيوس تيمينيانوس والي أفريقيا القبض على خمسة من المؤمنين كانوا في صفوف الموعوظين، هم ريفوكاتوس Revocatus، وفيليستي التي كانت حاملًا في الشهر الثامن، وساتورنينوس Saturninus، وسيكوندولس Secundulus، وفيبيا أو فيفيا بربتوا التي كانت تبلغ من السن حوالي 22 سنة متزوجة بأحد الأثرياء ومعها طفل رضيع. كانت هذه الشريفة ابنة لرجل شريف ولها أخان أما الثالث دينوقراطيس فقد مات وهو في السابعة من عمره.
أُلقيّ القبض على هؤلاء الموعوظين الخمسة، ولحق بهم رجل يُدعى ساتيروس Saturus، يبدو أنه كان معلمهم ومرشدهم، تقدم باختياره ليُسجن معهم حتى يكون لهم سندًا ويشاركهم أتعابهم.
قيل أن زوج بربتوا كان مسيحيًا، قَبِلَ الإيمان سرًا، وإذ شعر بموجة الاضطهاد اختفى.
وُضع الخمسة في إحدى البيوت في المدينة، فجاء والد بربتوا ليبذل كل جهده لرد ابنته إلى العبادة الوثنية، وكان يستخدم كل وسيلة. كان يبكي بدموع مظهرًا كل حزن عليها، أما هي فصارحته أنها لن تنكر مسيحها مهما كان الثمن، عندئذ انهال عليها ضربًا وصار يشتمها ثم تركها ومضى. في ذلك الوقت نال الموعوظون المقبوض عليهم سرّ العماد.
في السجن:
تقول بربتوا أنه بعد أيام قليلة دخلت مع زملائها السجن فراعها هول منظره، كان ظلامه لا يوصف، ورائحة النتانة لا تُطاق فضلًا عن قسوة الجند وحرمانها من رضيعها. وإذ كانت في يومها الأول متألمة للغاية استطاع شماسان طوباويان يدعيان ترتيوس Tertius وبومبونيوس Pomponius أن يدفعا للجند مالًا ليُسمح لهم بالراحة جزءًا من النهار، كما سُمح لها أن تُرضع طفلها الذي كان قد هزل جدًا بسبب الجوع. تحدثت بربتوا مع أخيها أن يهتم بالرضيع وألا يقلق عليها. بعد ذلك سُمح لها ببقاء الرضيع معها ففرحت، وحّول الله لها السجن إلى قصر، وكما قالت شعرت أنها لن تجد راحة مثلما هي عليه داخل السجن.
رؤيتها في السجن:
افتقدها أخوها في السجن وصار يحدثها بأنها تعيش في مجدٍ، وأنها عزيزة على الله بسبب احتمالها الآلام من أجله، وقد طلب منها أن تصلي إلى الرب ليظهر لها إن كان هذا الأمر ينتهي بالاستشهاد. بكل ثقة وطمأنينة سألت أخاها أن يحضر لها في الغد لتخبره بما سيعلنه لها السيد. طلبت من الله القدوس ما رغبه أخوها، وإذ بها ترى في الليل سلمًا ذهبيًا ضيقًا لا يقدر أن يصعد عليه اثنان معًا في نفس الوقت، وقد ثبت على جانبي السلم كل أنواع من السكاكين والمخالب الحديدية والسيوف، حتى أن من يصعد عليه بغير احتراس ولا ينظر إلى فوق يُصاب بجراحات ويهلك .
وكان عند أسفل السلم يوجد تنين ضخم جدًا يود أن يفترس كل من يصعد عليه. صعد ساتيروس أولًا حتى بلغ قمة السلم ثم التفت إليها وهو يقول لها: "بربتوا، إني منتظرك، لكن احذري التنين لئلا ينهشك". أجابته القديسة: "باسم يسوع المسيح لن يضرني". ثم تقدمت إلى السلم لتجد التنين يرفع رأسه قليلًا لكن في رعب وخوف، فوضعت قدمها على السلم الذهبي ووطأت بالقدم الآخر على رأس التنين ثم صعدت لتجد نفسها كما في حديقة ضخمة لا حدَّ لاتساعها، يجلس في وسطها إنسان عظيم للغاية شعره أبيض، يلبس ثوب راعي يحلب القطيع، وحوله عدة آلاف من الناس لابسين ثيابًا بيضاء. رفع هذا الرجل رأسه ونظر إليها، وهو يقول: "مرحبًا بكِ يا ابنتي"، ثم استدعاها، وقدم لها جبنًا صُنع من الحليب، فتناولته بيديها وأكلت، وإذا بكل المحيطين به يقولون: "آمين".
استيقظت بربتوا على هذا الصوت لتجد نفسها كمن يأكل طعامًا حلوًا. وقد أخبرت أخاها بما رأته فعرفا أن الأمر ينتهي بالاستشهاد.
محاكمتها:
سمع والدها بقرب محاكمتها فجاء إليها في السجن يبكي بدموع، أما هي فأكدت له إنها لن تنكر مسيحها. في اليوم التالي اُستدعيّ الكل للمحاكمة العلنية أمام الوالي هيلاريون، إذ كان الوالي السابق قد مات. دُعيت بربتوا في المقدمة، وإذا بها تجد والدها أمامها يحمل رضيعها ليحثها على إنكار الإيمان لتربي طفلها. أصرَّ والدها على الالتصاق بها فأمر الوالي بطرده، وإذ ضربه الجند تألمت بربتوا للغاية. رأى الوالي إصرار الكل على التمسك بالإيمان المسيحي فحكم عليهم بإلقائهم طعامًا للوحوش الجائعة المفترسة، فعمت الفرحة وحسب الكل إنهم نالوا إفراجًا.
استشهادهم:
أعيد الكل إلى السجن حتى يُرسلوا إلى ساحات الاستشهاد ليُقدموا للوحوش المفترسة، وقد كانت فيليستي حزينة جدًا، لأن القانون الروماني يمنع قتلها حتى تتم الولادة، بهذا لا تنعم بإكليل الاستشهاد مع زملائها.
صلى الكل من أجلها، وفي نفس الليلة استجاب لها الرب إذ لحقت بها آلام الولادة. رآها السجان وهي تتعذب، فقال لها إن كانت لا تحتمل آلام الولادة الطبيعية فكيف تستطيع أن تحتمل أنياب الوحوش ومخالبها. أجابته القديسة: "أنا أتألم اليوم، أما غدًا فالمسيح الذي فيّ هو الذي يتألم، اليوم قوة الطبيعة تقاومني، أما غدًا فنعمة الله تهبني النصرة على ما أُعد لي من عذاب".
جاء الوقت المحدد وانطلق الكل إلى الساحة كما إلى عرسٍ، وكان الفرح الإلهي يملأ قلوبهم. وإذ انطلقت الوحوش المفترسة رفعت بقرة وحشية بربتوا بقرنيها إلى فوق وألقتها على الأرض، وإذ كان ثوبها قد تمزق أمسكت به لتستر جسدها، ثم نطحتها مرة أخرى. أما فيليستي فقد أغمي عليها ثم فاقت كمن قد شهدت رؤيا سماوية. ولم يمضِ إلا القليل حتى دخل الجند وقتلوا الشهداء ليتمتعوا بالراحة الدائمة في حوالي عام 203 م.
(في السادس من شهر مارس كما جاء في أعمال الشهداء حسب الكنيسة الغربية).